– إذا كنتم تحبون الطيور وتغريدها ، فلا تشتروا أقفاصها بل إزرعوا الشجر.!!!
– وهكذا فعل الآباء والأجداد رحمهم الله ، فغدت إدلب الخضراء غابة التين والزيتون ، شجر مبارك وأرض طيبة وأبناء بررة يصونون الأمانة ويتابعون المشوار.!!
– أتذكر قول جدي رحمه الله وهو على فراش الموت :
لقد تركت لكم مزرعة واسعة من شجر التين والزيتون والعنب والرمان.!!
لقد كانت أرضا بورا معشبة ، فأعملت الفأس بالأعشاب وقطعت دابرها وملأت جذور الحليان والنجيل في شلول القطن ، حتى غدت نظيفة تسر الناظرين.!!
فحافظوا عليها كأبنائكم ، فلأشجارها أرواح تنتعش بقربكم ورعايتكم.!!
لا تسامحوني إذا غذيتكم بدرهم من حرام.!!
– تابع والدي رحمه الله المشوار ، فكان يستيقظ باكرا عند سماعه عبارة ياكريم العفو قبل أذان الفجر ، فيوقظ والدتي لتحضر له الزوادة ويبدأ بالوضوء والصلاة.!!
ويذهب للفلاحة على الفدان ، ويستغرق الطريق ساعة على ظهر الكديش الرهوان ، ويصل الحقل قبل بزوغ الشمس ليبدأ العمل .!!
يجري ذهابا وإيابا ماسكا بمحراثه القديم وراء دوابه ، وهو يسايسها ويتكلم معها ويتغزل بها ويطلق عليها الألقاب المحببه ، وتارة ينهرها ويضربها بإنسانية وحينا بالأمجي.
وحين تعلو شمس الضحى ، يتوقف تحت الشجرة ، ويفك النير عن رقبتها ويضع أمامها كومة العشب المتجمعة من تنظيف المحراث ، ويجلس بالظل وقد سهل التراب تحت شجرة الزيتون وخلع خفه ، وجلس وتناول طعام الفطور من زوادته اللذيذة ، والتي تحوي رغيف خبز تنوري وبصلة وقليلا من الزيتون والعطون.!!
وبعد أن يشبع ، يمد يده على الجيب الكبير لشرواله الأسود الفضفاض ، ويخرج التين اليابس ليتحلى ، فيغص لدوابه ويذهب إليهم ليضع في فم كل منهم تينة ، ويطبطب على أكتافهم ويقول لهم تستاهلوا صحة وهنا ، ويراقبهم بمحبة وسرور .!!
ويعاود وضع النير على أكتافهم ، ويتابع العمل حتى تتوضع الشمس في قبة السماء ، فيعرف أن وقت الظهر قد حان ، فيتوقف وقد أنهى خسكاره اليومي واكمل الفدان الذي يقترب من أربعة دونومات.!!
ويفك الدواب ويتركها ترعى من مرج قريب ، ويتمدد بظل الشجرة ويتوسد حذاءه ، ويأخذ غفوة قصيرة يحسده عليها السلطان ، لما فيها من هناءة وراحة بال.!
ويوقظه الصوت العالي لبلبل يشدو على ذروة الشجرة المجاورة ، فينهض مترنما بموال معبر وبصوت قوي ، يسمعه جاره بالحقل فيصغي وينتشي طربا ويصيح من بعيد : !!
أوووووف أوووف يسلم هالصوت يا أبو عبدو جوووود جود قواك الله.!!!
بقلم المهندس محمود عبد القادر عبادي